باتت صور الماضي تتجدد في لبوس حاضر قد لا يسعف آلة الاحتلال المغربي في إعادة إنتاج أجواء الرعب والأعمال الوحشية نفسها التي طالت المدنيين الصحراويين الحضر منهم والبدو وقطعانهم. لقد رافق اجتياح الجيش الملكي للصحراء الغربية في 31 أكتوبر 1975 موجة عنف وتدمير غاية في الوحشية. فكانت كل مظاهر الحياة هدفا لنيران وسادية قوات الجيش المغربي، حيث حرقت الخيام بما احتوت، ونفذت أوامر القتل في العديد من المدنيين الأبرياء الصحراويين رميا من المروحيات من علو شاهق، أو دفنتهم أحياء في مقابر جماعية. وكما كان القتل العشوائي يبطش بالآدميين كانت رؤوس الإبل والأغنام تتناثر جثثا نافقة على مساحات واسعة.
وبعد نسف اتفاق وقف إطلاق النار القائم بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية منذ 1991، إثر تدخل القوات العسكرية المغربية ضد مدنيين صحراويين كانوا معتصمين سلميا لإغلاق ثغرة “الكركرات” غير الشرعية يوم 13 نوفمبر 2020، بدأت ردود فعل الأجهزة المخزنية تتأرجح في ارتباك واضح بين إحياء إرث سابق يصنف ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وبين التنكر لما يجري على جبهات القتال وزعم التمسك بوقف إطلاق النار من جانب واحد، في لعبة هروب إلى الأمام تروم التملص من المسؤولية الثابتة في إشعال نار الحرب من جديد.
ويستوقفنا اليوم، في الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي، بعد نشوب الحرب من جديد في الصحراء الغربية، وبعد مرور أربعة عقود على الاعتداء العسكري والاجتياح الأول من طرف جيش الاحتلال المغربي، نشير إلى الآتي:
– ما تقوم به قوات القمع المغربية ضد المناضلات والمناضلين الصحراويين والمواطنين البسطاء من الجنسين ومن كل الأعمار بالمدن الصحراوية المحتلة العيون، بوجدور، السمارة، والداخلة من قمع وتنكيل ومس بالكرامة الإنسانية، وإشاعة أجواء الرعب، هو ممارسة ممنهجة لجرائم حرب وانتهاكات حقوق مواطني بلد محتل في زمن الحرب. ونستحضر هنا مثلا حالة عائلة المناضلة الصحراوية عضو الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي، سلطانة خيا ووالدتها منتو وأختها الواعرة اللواتي تعرضن للتعنيف، والضرب والجرح والاعتداء عليهن في منزلهن وخارجه.
ومن بين المظاهر أيضا التي تحيلنا إلى الجرائم التي ارتكبها نظام دولة الاحتلال المغربي في حق المواطنين الصحراويين خلال الحرب الاولى كاختطاف عرائس ليلة الزفاف (كحالة المختطفة الصحراوية السابقة السيدة البشير بوتباعة)، هو ما تعرض له الاعلاميان احمد الطنجي ونزهة خطاري من تعكير صفو فرحهما ومحاصرة منزليهما واقتياد العريس إلى مخفر الشرطة.
– وما تتعرض له ثروة الصحراويين من طلق ناري هائل أباد العشرات من رؤوس الإبل، وينذر بحدوث كارثة حقيقية تمس الثروة الحيوانية مثلما أبانت الصور المنقولة من منطقة المحبس للرؤوس النافقة من الإبل في مشهد ثأر مكشوف ينم عن حجم الحقد والضغينة الطافحة من قلوب من أبادوا ثروة الصحراويين قاطعين بذلك مصدر رزقهم.
وإذ تذكرنا هذه الأفعال المشينة بما كانت ترتكبه قوات الجيش المغربي وهي تجتاح تراب الصحراء الغربية خريف العام 1975، من قتل عشوائي لرؤوس الماشية وتصفية للمدنيين وحملات اعتقال واختطافات شملت المئات ممن لا يزال مصير العديدين منهم مجهولا، فإنه لابد من إبراز الدلالات التالية:
– إن مرور أربعة عقود من العيش تحت الاحتلال المغربي كشفت حجم الجرائم السياسية التي تعرض لها الشعب الصحراوي، والتي لا تتقادم ومطلوب اليوم التصدي لبروز بوادر العودة لارتكابها، عبر التشهير بها وبمرتكبيها، والدفع في اتجاه تحميل اسبانيا مسؤولية ما يقع بتواطؤ منها، بصفتها قوة مديرة للإقليم وفق حكم المحكمة الإسبانية نفسها.
– نشترك وإخواننا المغاربة ضحايا سنوات الرصاص في اقتسام آلام الزنازن، وسياط الجلادين، وتعاهدنا للتصدي لعدم تكرار المأساة الإنسانية التي وإن تعددت أوجهها أسبابا وخلفيات، يظل النيل من كرامة الإنسان قاسمها المشترك والشعور المتبادل بين كل الضحايا.
– إن حملات الترويع وأشكال الاعتداء العشوائي التي تمارسها الأجهزة الأمنية المغربية وتطويق المدن الصحراوية المحتلة، واستمرار المراقبة اللصيقة، لن يثني المناضلات والمناضلين الصحراويين عن القيام بأدوارهم الطلائعية في سبيل صيانة المكتسبات والدفاع عن حقوق الإنسان بالجزء المحتل من الجمهورية الصحراوية.
– حتى الإبل لم تسلم من رغبة الانتقام من الصحراويين، حيث أن توجيه فوهات المدافع إلى قطعان الإبل هو جريمة جديدة يرتكبها الجيش المغربي ضد الصحراويين، فينال من ماشيتهم ويقطع أرزاقهم.
وختاما ندعو المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي، وكل أحرار العالم إلى ممارسة المزيد من الضغط على سلطات الاحتلال المغربي لإيقاف حملاتها القمعية الترهيبية الموجهة ضد الصحراويين، والتدخل لفرض الحماية اللازمة للمدنيين الصحراويين وقت الحرب وفق ما تنص عليه اتفاقية جنيف الرابعة لإنقاذهم من التعرض من جديد لجرائم الحرب وحملات الانتقام والترهيب والقمع الممنهج.
المكتب التنفيذي للهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي
العيون المحتلة من الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية 23/11/2020