@ISACOM
صورة جماعية لأعضاء الهيئة خلال المؤتمر التأسيسي الاول، مؤتمر الشهيد محمد عبد العزيز المنعقد بمدينة العيون المحتلة
في العشرين من سبتمبر / أيلول 2020 كنا على موعد مع استعادة الانفاس، كمجموعة من المناضلات والمناضلين المؤمنين بحق شعبنا في الحرية والكرامة والاستقلال الوطني، وقررنا تأسيس “الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي” أداة لتنظيم العمل وتكريس التعاقد مع جماهير شعبنا وتجميع وصهر الارادات الصادقة في بوتقة النضال لتذليل التحديات والاستجابة لانتظارات قضيتنا الوطنية العادلة.
نعم، لقد كانت خطوة التأسيس أمرا أملته الظروف الموضوعية والذاتية التي حكمت أوضاعنا تحت الاحتلال وارخت على الوضع عامة بظلال من الانتظارية الرتيبة وغير المبشرة بانفراج قريب. فساد الاعتقاد بأن حجم التآمر قد بلغ مداه في المدة الأخيرة، بل أكدته تصريحات وتلميحات جهات دولية أعلنت انخراطها في دعم نظام الاحتلال المغربي، ضاربة عرض الحائط بالمسلمات والثوابت القانونية والسياسية والتاريخية المؤطرة لقضية شعبنا، كقضية تصفية إستعمار مسجلة لدى الأمم المتحدة بالصفة هذه منذ أوائل ستينيات القرن الماضي. وليس غريبا أن ترشح قرارات مجلس الأمن الدولي بما تضمره نوايا الأطراف المتآمرة ضد قضية الصحراء الغربية بعد تجريب وصفات التعطيل طوال السنوات.
فاتجه المسعى إلى إعلان الرفض المتجدد تجاه أي مقترح يروم تصحيح ما يطبع وضعية حقوق الإنسان في الجزء المحتل من الصحراء الغربية من تدهور متفاقم، ورفع درجة التآمر إلى حد الدفع بإجبار الضحية على الخضوع للجلاد، والعمل على عزل القضية عن محيطها الإقليمي والقاري تحت مسمى الأمم المتحدة وحدها صاحبة الاختصاص، والإصرار على تخصيصها بمقام التجميد الدائم بالبند السادس لميثاق الأمم المتحدة.
وفي الغضون كانت سيناريوهات الضم تنتظر تفعيلا وأجرأة بعد إشعار امريكي للعالم بنية نسخ ميثاق الأمم المتحدة بنص اخر اصطلح عليه اسم “التغريدة” صادر عن الرئيس الامريكي الاسبق دولاند ترامب، لكن أمرا ما حال دون الخروج عن النص ولم تفتح قنصلية الولايات المتحدة الأمريكية أبوابها ولا رفع لها علم ولا شرع في بنائها بالداخلة المحتلة.
غريب أن تكون خطوات صناع الجيو استراتيجيات وحراس السلم والأمن الدوليين، المتمسكين بالمقعد الدائم وحق الفيتو، هوجاء من صنف حماقة ترامب. ماذا بقي إذن من دور لصاحبة القلم غير الشروع في فتح المزاد لبيع وشراء قيم ظلت محفوظة مصونة لا يطالها العبث. طبعا ليس للصدفة أو الزلة ولا حتى خطأ التقدير حظ في تبرير ما يجري، بل مخطط يروم الانتقال الى مرحلة فرض الحلول التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية، والظاهر من جبل الجليد العائم اتفاقات ابراهام التي نزعت من الفلسطينيين لتمنح إسرائيل، أو زلة بيدرو سانتشيث الذي سار هو الآخر على هدي أن يعطي مما لا يملك.
انه انتقال بالسرعة القصوى الى ارباك كل التوازنات، وكأن ما أعقب الفوضى الخلاقة زمن غوندوليزا رايس من حروب وأزمات ضربت اقتصادات الدول في كل بقاع العالم وفيروسات تعددت مسمياتها بتعدد أساليب فتكها بالبشرية، كأن كل ذلك لا يسد نهم وحاجة العالم الجديد إلى ابتلاع خرائط وخلق أخرى بما يتماشى ووصفات غرف العمليات المنهمكة في إلحاق ما تستطيع من الأذى بشعوب العالم، أي سادية تتربص بالشعوب؟؟
ماذا نفهم إذن من “الحل السلمي الذي يتسم بالواقعية ويقبله الطرفان”
كما هو معلوم، فطيلة فترة اللاحرب واللاسلم التي أعقبت توقيع إتفاقية السلام الأممية الإفريقية سنة 1991 بين طرفي النزاع جبهة البوليساريو والمملكة المغربية والتي استمرت الى حين خرقها من طرف قوات جيش الاحتلال المغربي بتاريخ 13 نوفمبر 2020، كانت مفاعيل المقاومة المدنية السلمية بالمدن المحتلة هي العنوان الأبرز للمعارك السياسية والحقوقية التي تخاض ضد الاحتلال المغربي توازيها المعارك القانونية الخاصة بموضوع الثروات الطبيعية التي تقودها الدبلوماسية الصحراوية، ورغم الجهد المبذول والحصيلة الدالة على الفعل الواعي الذي أثمر تجذيرا للوعي الوطني الصحراوي من محاميد الغزلان الى تخوم الكركرات لم يتحرك العالم الجديد في اتجاه يوحي بتلقي رسائل الشعب الصحراوي، أو الاستجابة لنداءات عائلات الشهداء والمعتقلين، بل كان في كل مرة يكتفي بتكرار لازمته (ليت موتيف) غير البريئة في الدعوة الى حل سلمي يتسم بالواقعية. تكون كافية إذن إشارات الصمت واللامبالاة تلك لكشف المضمر في خطاب قادة العالم الجديد، لأن الواقعية خارج التأسيس القانوني والأخلاقي للمفهوم ليست سوى إنكارا وعدم اكتراث لما يتعرض له الصحراويون منذ نصف قرن من صنوف الانتهاكات والتجريد من الحقوق وسلب ونهب خيرات وطنهم. لقد بلغ الضجر بالشعب الصحراوي حد الكفر بالآليات والميكانيزمات الأممية، وعبر المؤتمر الشعبي العام السادس عشر، مؤتمر الشهيد امحمد خداد لحبيب، عن درجة استياء غير مسبوقة من حصيلة ثلاثة عقود من تواجد الأمم المتحدة بالتراب الصحراوي، وهو ما تترجمه أشكال التعاطي السلبي للمينورسو مع الوقائع والأحداث التي تشهد انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان بالمدن الصحراوية المحتلة.
لقد آن لقادة العالم أن ينصتوا للشعوب المظلومة، أو آن للشعوب أن تختار لها نظاما كونيا أكثر عدلا وإنصافا يضمن لها استرجاع واكتساب ما ضاع من حقوق. إن في هذا العالم شعوب تستحضر ذاكرتها بشاعة صور العقاب العشوائي والجماعي الذي نالها وما كابدت من اشكال استغلال لردح طويل من الزمن، وتعيش على أمل معالجة تتناسب وما تتطلبه الأوضاع. إن في كل مرة يتجدد انتهاك للقانون الدولي بمنسوب احتلال أراضي الغير تشرئب اعناق الصحراويين الى الرد وشكله والقوى الداعمة لردع العدوان لعله يصبح قاعدة أو درسا يعيد قراءة الأوضاع الدولية غير المرتبة بابجدية صحيحة. أمثلة كثيرة تحضر للاستدلال على حجم التمييز بين القضايا ذات التصنيف الاممي الواحد، وفي الجوهر هو حكم على استنفاذ النظام العالمي لما بعد الحرب العالمية الثانية أسباب بقائه واستمراره، فهل تنتهي الغطرسة واستعباد الشعوب والكيل في القضايا والأوضاع المتماثلة بمكاييل متعددة ، ومتى تصبح حقوق الانسان عقيدة ملزمة لا شعارا زائفا ؟؟؟
اليوم وبعد سنتين ونيف من الإشتغال، ورغم كل الإكراهات والضغوطات التي واجه بها نظام الإحتلال المغربي مناضلاتنا ومناضلينا من خلال التهديد بالمتابعات القضائية، والاعتداءات الجسدية وفرض الإقامة الإجبارية وإتخاذ إجراءات إنتقامية أخرى مرتبطة بالشغل كالتهجير والتنقيل التعسفي والطرد…، تظل طموحاتنا أكبر مما تم إنجازه، فيما مستوى التحديات يتطلب المزيد من بذل الجهد والتعبئة المستمرة والتأطير المتواصل للجماهير، ولا شك أن الوصول إلى هذه الغايات يستدعي تكثيف العمل الجماعي والانفتاح على كل القوى الوطنية الصحراوية الحية بالمدن المحتلة.
إن “الهيئة الصحراوية لمناهضة الإحتلال المغربي” باقية مستمرة ثابتة ثبات مناضلاتها ومناضليها، تسعى للقيام بدور ريادي في عملية الرصد والتوثيق والتقرير عن انتهاكات حقوق الإنسان، وتتطلع الى بناء علاقات ثقة متينة مع الهيئات الأممية والمنظمات الحقوقية الدولية، وختاما نعاهد أنفسنا وكل المؤمنين بقضية شعبنا العادلة بأننا لن ندخر أي جهد في مواصلة مسيرتنا النضالية على درب انجاز مهام التحرير وتحقيق آمال شعبنا في الحرية والكرامة والاستقلال الوطني.